الموعظة الحسنة وأنواعها
الشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني
الموعظة:
هي الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب، والقول الحق الذي يلين القلوب، ويؤثر في النفوس، ويكبح جماح النفوس المتمردة، ويزيد النفوس المهذبة إيماناً وهداية[1]، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء:66]، وقال سبحانه: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [النور:17].
والداعية إلى الله تعالى ينبغي أن يكون وعظه للناس بالقول الحكيم، على نوعين: تعليم، وتأديب.
النوع الأول: وعظ التعليم:
وهذا النوع يكون ببيان عقائد التوحيد، وبيان الأحكام الشرعية الخمسة: من الواجب، والحرام ، والمسنون، والمكروه، والمباح، ويراعى في ذلك كله ما يناسب كل طبقة، والحث على التمسك بها، والتحذير من التهاون فيها.
ومن تدبر أسلوب القرآن علم أن الأحكام نبغي أن تساق إلى الناس، مساق الوعظ الذي يُلين القلوب، ويبعثها على العمل، ولا تسرد سرداً خالية من وسائل التأثير، ومما يوضح ذلك قوله تعالى: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ * نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 222، 223].
فالأمر بتقوى الله بعد النهي عن إتيان النساء في المحيض، والأمر بإتيانهن في موضع الحرث، والأمر بالتقديم لأنفسنا تحذيراً من مخالفة هذا الهدي الإلهي، وقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ} إنذاراً للذين يخالفون عن أمره، بأنهم يلاقون جزاء مخالفتهم في الآخرة، ويحاسبون على أعمالهم.
وقوله تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} تبشير للطائعين الذين يقفون عند الحدود، ويتبعون هدى الله تعالى، والمبشر به عام، يشمل منافع الدنيا، ونعيم الآخرة، وحصول كل خير، واندفاع كل شر رتب على الإيمان- داخل في هذه الآية.
ومما يزيد ذلك وضوحاً وبياناً أن الله عز وجل بعد أن ذكر أحكام الفرائض وتقسيم التركات، ختم ذلك بقوله: { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء:13، 14].
وهذان مثالان يبينان أن الداعية إلى الله إذا سلك في هذا النوع طريقة القرآن الكريم، فإنه سيجتذب الأسماع، ويأخذ بمجامع القلوب ويلينها، وحينئذ تستقبل العقائد والأحكام بإذن الله -عز وجل- للعمل والتطبيق برغبة واشتياق[2].
النوع الثاني: وعظ التأديب:
وهذا يكون بتحديد الأخلاق الحسنة: كالحلم والأناة، والشجاعة والوفاء، والصبر، والكرم…، وبيان آثارها ومنافعها في المجتمع، والحث على التخلق بها والتزامها، وتعريف وتحديد الأخلاق السيئة: كالغضب، والعجلة، والغدر، والجزع، والجبن، والبخل، …، والتحذير عن الاتصاف بها من طريقي: الترغيب والترهيب.
وينبغي للداعية إلى الله أن يستشهد في كل من النوعين، بما جاء فيه من الكتاب والسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وآثار الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين، وأحوالهم في ذلك، فإن لهذا شأناً عظيماً يوصل إلى الغاية المقصودة، متى صدر من قلب سليم نقي متخلق بما يدعو إليه؛ لأن الموعظة في الغالب إذا صدرت من القلب وقعت في القلب، وإن خرجت من اللسان لم تتجاوز الآذان.
وإذا أراد الداعية أن تكون موعظته مؤثرة بليغة،
فإن عليه الآتي:
1. ينظر إلى المنكرات المنتشرة، ولاسيما ما كان منها قريب العهد، وحديثه على ألسنة الناس.
2. ثم يقدم من هذه المنكرات أكبرها ضرراً، و أسوأها أثراً، فيجعلها محور خطابته، وموضع موعظته.
3. ثم يفكر فيما ينشأ عن هذا المنكر من الأضرار: الخلقية، والاجتماعية، والصحية، والمالية.
4. ثم يستحضر ما جاء في ذلك من الآيات، والأحاديث الصحيحة، أو الحسنة، وأقوال الصحابة، والأبيات الشعرية الحكيمة.
5. ثم يأخذ في كتابة الموضوع إن شاء كتابته، ويضمنه ما فيه من تلك المضار، وما ورد فيه عن الشارع، محذراً من الوقوع فيه، حاثاً، على التوبة منه.
أما إذا أراد الحث على العمل الصالح النافع، فيتبع ما يلي:
1. يفكر في مزاياه وآثاره الحسنة تفكيراً عميقاً.
2. يستحضر ما يناسبه من الكتاب وصحيح السنة، وآثار الصحابة.
3. ثم يسلك في الكتابة المسلك السابق.
فإذا كتب الموضوع، فإن شاء حفظه وألقاه، وإن شاء ذكر مضمونه، وذكر المضمون أحسن لأمرين، حتى لا يكون مقيداً بعبارة خاصة، ويتخير من العبارات ما يؤدي إلى المعاني التي حصل عليها ببحثه وتفكيره.
وإن شاء عدم الكتابة واكتفى برسم الموضوع في مخيلته، وتسطيره في ذاكرته، التي قواها بالمران والتجارب والممارسة، كان ذلك أحسن وأكمل، وبتوفيق الله -عز وجل- ثم بإعداد الموضوع واستحضاره بأدلته تماماً، وتقسيمه بحسب نقطه إلى أقسام، يكون الداعية في مأمن من الزلل بإذن الله تعالى.
وبعد ذلك ينبغي أن يراعي في حال التأدية والإلقاء استعداد السامعين، فينزل في العبارة مع العامة على قدر عقولهم، متجنباً الألفاظ البعيدة عن أفهامهم، ويتوسط مع أوساط الناس، ويتأنق مع الخاصة، فيكون مع جميع الطبقات حكيماً يضع الأشياء في مواضعها.
وبكل حال عليه أن يختار المعاني النفيسة، وتنسيقها، وشرحها بالدقة، وإبلاغها أذهان السامعين، وإنقاذها في قلوبهم، ودفع السآمة والملل عنهم، بإيراد الشواهد عليه من الحكم النثرية والشعرية، والفكاهات الأدبية، بشرط التزام ظلال الكتاب والسنة، وبذلك يكون الداعية مُوفّقاً مؤثراً بإذن الله تعالى، إذا قصد إبلاغ الناس بإخلاص وصدق ورغبة، فيما عند الله تعالى.
المصدر : رسالة الاسلام